خلال عملنا مع إحدى المجموعات التجارية العائلية، سألت أحد المؤسسين: “كيف تنتقل السلطة بين أفراد العائلة المشاركين في إدارة المجموعة التجارية لديكم؟” فأجابني ببساطة: “بالمشاكل، فنحن لا نتحرك إلا إذا حدثت مشكلة.”

لم أستغرب من الإجابة، فكثير من الشركات العائلية، التي تمثل أكثر من 97% من الشركات في اليمن، لا تولي لحوكمة الشركات والعائلة، فضلاً عن بناء دستور عائلي، اهتمامًا كافيًا. فالدستور من شأنه أن يشمل جوانب إنشاء وتنظيم التجمعات والهيئات العائلية، مثل “تجمع العائلة”، و”مجلس العائلة”، و”مكتب العائلة”، وغيرها من الهيئات التي تشكل بدورها القنوات الرسمية بين العائلة والشركات التابعة لها. هذا النهج يضمن نمو الشركات وتعاظم أرباحها، ويعزز نقل إرثها عبر الأجيال مع تزايد حجم العائلات، قبل الوقوع في النزاعات.

فبدون أخذ الحوكمة على محمل الجد وتعريف أبناء العائلة بقيم ورسالة العائلة، وإخطارهم بالإنجازات الرئيسية لأعمالها التجارية، وتوضيح آليات توظيفهم، والخلافة، وتعاقب الأجيال، بالإضافة إلى سياسة توزيع الأرباح والمزايا التي يمكن أن يحصلوا عليها من شركات العائلة، تبقى العائلة وأعمالها التجارية عرضة للمخاطر. بلا شك، فإن تأجيل تلبية تطلعات الأجيال القادمة، وتأجيل تسوية النزاعات، والانفراد بالسلطة، وتجاهل قضايا العائلة الرئيسية، يؤدي إلى ضعف الثقة بين أبنائها، ويسرع من انهيار الشركة وخروجها من السوق.

في المقابل، فإن العائلات التجارية التي تبنت الحوكمة ووضعت نصب أعينها تحقيق الاستدامة، نجحت في توظيف أبناء العائلة وفقًا لمؤهلاتهم، مع مراعاة معايير الكفاءة في توزيع المناصب. واعتبرت هذه العائلات أن دفع المكافآت يتم على أساس الأداء والخبرة، وليس لمجرد الانتماء العائلي. هذا النهج مكّنها من قيادة أعمالها بكفاءة، واتخاذ القرارات الرئيسية بناءً على إجراءات شفافة وعادلة تحفظ حقوق جميع الملاك، وتمنع الانفراد بالسلطة أو فرض مركزية تؤدي إلى تضارب المصالح.

إن تأثير الحوكمة في هذه العائلات لا يتوقف عند الجوانب الإدارية والمالية فقط، بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، ليشمل الأثر الاجتماعي والبيئي. فالعائلات التي تتبنى الحوكمة تلتزم بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، وتحرص على تعزيز المواطنة داخل المجتمع، إضافة إلى تبني ممارسات تساهم في حماية البيئة والمحافظة على الموارد الطبيعية، مما يجعلها نموذجًا ناجحًا لاستدامة الأعمال والأثر الإيجابي على المجتمع والبيئة.

في ظل التحديات العديدة التي تواجه بيئة الأعمال للشركات العائلية، يجب أن تسير العائلات في خطين أساسيين: الأول هو حوكمة الشركة، والذي يشمل إجراء الإصلاحات على كافة مستوياتها، بدءًا من مجلس الإدارة، مرورًا بالإدارة التنفيذية، وصولًا إلى أبسط العمليات المالية والإدارية والقانونية والاستثمارية. أما الثاني فهو حوكمة العائلة، من خلال بناء دستور عائلي وتشكيل هيئات عائلية تتناسب مع خصوصية كل عائلة. يتم من خلال هذه الهيئات تكوين لجان للإشراف على كافة جوانب حياة أفراد العائلة، بما في ذلك الجوانب التعليمية، الصحية، والمهنية، مما يسهم في خدمة الأفراد وشركات العائلة معًا ويساعد في تحسين بيئة الأعمال ككل.

اقراء المزيد من المقالات:


شاركها.

غدير احمد المقحفي باحثة في الاقتصاد ومستشارة في حوكمة الشركات، وعضوة مجلس إدارة مستقلة معتمدة من مؤسسة التمويل الدولية (IFC) والمعهد اليمني للمديرين (YIoD). تحمل بكالوريوس في نظم المعلومات والتجارة الإلكترونية. شغلت منصب مديرة نادي الأعمال اليمني (2017-2023)، حيث قادت مبادرات في الحوكمة وريادة الأعمال. عملت مع القطاع الخاص اليمني لأكثر من 9 سنوات، وشاركت في إعداد أدلة حوكمة البنوك والشركات الصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع مؤسسات دولية. مثلت اليمن في مشاريع المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) لأكثر من 6 سنوات، بما في ذلك تقارير التنافسية والمخاطر العالمية.

اترك تعليقاً